فصل: تفسير الآية رقم (67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (66):

{وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)}
{وَهُوَ الذي أَحْيَاكُمْ} بعد أن كنتم جمادًا عناصر ونطفًا حسا فصل في مطلع السورة الكريمة {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند مجيء آجالكم {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} عند البعث {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ} أي جحود بالنعم مع ظهورها وهذا وصف للجنس بوصف بعض أفراده، وقيل المراد بالإنسان الكافر وروي ذلك عن ابن عباس. ومجاهد، وعن ابن عباس أيضًا أنه قال: هو الأسود بن عبد الأسد. وأبو جهل. وأبي بن خلف ولعل ذلك على طريق التمثيل.

.تفسير الآية رقم (67):

{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)}
{لِكُلّ أُمَّةٍ} كلام مستأنف جيء به لزجر معاصريه عليه الصلاة والسلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته عليه الصلاة والسلام ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع وإظهار خطئهم في النظر أي لكل أمة معينة من الأمم الخالية والباقية {جَعَلْنَا} وضعنا وعينًا {مَنسَكًا} أي شريعة خاصة، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر لا لأمة أخرى منهم، والكلام نظير قولك لكل من فاطمة وزينب وهند وحفصة أعطيت ثوبًا خاصًا إذا كنت أعطيت فاطمة ثوبًا أحمر وزينب ثوبًا أصفر وهندًا ثوبًا أسود وحفصة ثوبًا أبيض فإنه عنى لفاطمة أعطيت ثوبًا أحمر لا لأخرى من أخواتها ولزينب أعطيت ثوبًا أصفر لا لأخرى منهن وهكذا، وحاصل المعنى هنا عينا كل شريعة لأمة معينة من الأمم بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى لا استقلالًا ولا اشتراكًا، وقوله تعالى: {هُمْ نَاسِكُوهُ} صفة لمنسكًا مؤكدة للقصر، والضمير لكل أمة باعتبار خصوصها أي تلك الأمة المعينة ناسكون به وعاملون لا أمة أخرى؛ فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام منسكهم ما في التوراة هم عاملون به لا غيرهم، وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من الموجودين إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم ما في القرآن ليس إلا، والفاء في قوله سبحانه: {فَلاَ ينازعنك فِي الامر} أي أمر الدين لترتيب النهي على ما قبلها فإن تعيينه تعالى لكل أمة من الأمم التي من جملتها أمته عليه الصلاة والسلام شريعة مستقلة بحيث لا تتخطى أمة منهم ما عين لها موجب لطاعة هؤلاء له صلى الله عليه وسلم وعدم منازعتهم إياه في أمر الدين زعمًا منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم مما في التوراة والإنجيل فإن ذلك شريعة لمن مضى قبل انتساخه وهؤلاء أمة مستقلة شريعتهم ما في القرآن فحسب، والظاهر أن المراد نهيهم حقيقة عن النزاع في ذلك.
واختار بعضهم كونه كناية عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الالتفات إلى نزاعهم المبني على زعمهم المذكور لأنه أنسب بقوله تعالى الآتي {وادع} إلخ، وأمر الأنسبية عليه ظاهر إلا أنه في نفسه خلاف الظاهر، وقال الزجاج: هو نهي له عليه الصلاة والسلام عن منازعتهم كما تقول: لا يضاربنك زيد أي لا تضاربنه وذلك بطريق الكناية، وهذا إنما يجوز على ما قيل وبحث فيه في باب المفاعلة للتلازم فلا يجوز في مثل لا يضربنك زيد أن تريد لا تضربنه.
وتعقب بأنه لا يساعده المقام. وقرئ {فَلاَ ينازعنك} بالنون الخفيفة. وقرأ أبو مجلز.
ولاحق بن حميد {فَلاَ ينازعنك} بكسر الزاي على أنه من النزع عنى الجذب كما في البحر، والمعنى كما قال ابن جني فلا يستخفنك عن دينك إلى أديانهم فتكون بصورة المنزوع عن شيء إلى غيره.
وفي الكشاف أن المعنى أثبت في دينك ثباتًا لا يطمعون أن يجذبوك ليزيلوك عنه، والمراد زيادة التثبيت له عليه الصلاة والسلام بما يهيج حميته ويلهب غضبه لله تعالى ولدينه ومثله كثير في القرآن.
وقال الزجاج: هو من نازعته فنزعته أنزعه أي غلبته، فالمعنى لا يغلبنك في المنازعة والمراد بها منازعة الجدال يعني أن ذلك من باب المغالبة، لكن أنت تعلم أنها عند الجمهور تقال في كل فعل فاعلته ففعلته أفعله بضم العين ولا تكسر إلا شذوذًا، وزعم الكسائي ورده العلماء أن ما كان عينه أو لامه حرف حلق لا يضم بل يترك على ما كان عليه فيكون ما هنا على توجيه الزجاج شاذًا عند الجمهور.
وقال سيبويه: كما في «المفصل» وليس في كل شيء يكون هذا أي باب المغالبة ألا ترى أنك تقول: نازعني فنزعته استغنى عنه بغلبته، ثم إن المراد من لا يغلبنك في المنازعة لا تقصر في منازعتهم حتى يغلبوك فيها، وفيه مبالغة في التثبيت فليس هناك نهى له صلى الله عليه وسلم عن فعل غيره، هذا وما ذكرنا من تفسير المنسك بالشريعة هو رواية عطاء عن ابن عباس واختاره القفال، وقال الإمام: هو الأقرب، وقيل: هو مصدر عنى النسك أي العبادة، قال ابن عطية: يعطي ذلك {هُمْ نَاسِكُوهُ} وقيل: هو اسم زمان، وقيل: اسم مكان، وكان الظاهر ناسكون فيه إلا أنه اتسع في ذلك، وقال مجاهد: هو الذبح.
وأخرج ذلك الحاكم وصححه. والبيهقي في الشعب عن علي بن الحسن رضي الله تعالى عنهما؛ وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وعبد بن حميد عن عكرمة، وجعل ضمير {ينازعنك} للمشركين، والأمر المتنازع فيه أمر الذبائح لما ذكر من أن الآية نزلت بسبب قول الخزاعيين بديل بن ورقاء. وبشر بن سفيان. ويزيد بن خنيس للمؤمنين ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله تعالى. ومنهم من اقتصر على جعل محل النزاع أمر النسائك وجعله عبارة عن قول الخزاعيين المذكور. وتعقبه شيخ الإسلام بأنه مما لا سبيل إليه أصلًا كيف لا وأنه يستدعي أن يكون أكل الميتة وسائر ما يدين به المشركون من الأباطيل من المناسك التي جعلها الله تعالى لبعض الأمم ولا يرتاب في بطلانه عاقل. وأجيب بأن المعنى عليه لا ينازعنك المشركون في أمر النسائك فإنه لكل أمة شريعة شرعناها وأعلمناك بها فكيف ينازعون بما ليس له عين ولا أثر فيها، وقيل: المعنى عليه لا تلتفت إلى نزاع المشركين في أمر الذبائح فإنا جعلنا لكل أمة من أهل الأديان ذبحاهم ذابحوه.
وحاصله لا تلتفت إلى ذلك فإن الذبح شرع قديم للأمم غير مختص بأمتك وهذا مما لا شك في صحته، ومن قال بصحة الآثار وعض عليها بالنواجذ لا يكاد يجد أولى منه في بيان حاصل الآية على ما تقتضيه، ومن لم يكن كذلك ورأى أن الآية متى احتملت معنى جزلًا لا محذور فيه قيل به وإن لم يذكره أحد من السلف فعليه بما ذكرناه أولًا في تفسير الآية، وأيًا ما كان فالظاهر أنه إنما لم تعطف هذه الجملة كما عطف قوله تعالى: {وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لّيَذْكُرُواْ} [الحج: 34] إلخ لضعف الجامع بينها وبين ما تقدمها من الآيات بخلاف ذلك. وفي الكشف بيانًا لكلام الكشاف في توجيه العطف هناك وتركه هنا أن الجامع هناك قوي مقتض للعطف فإن قوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا} [الحج: 33] أي في الشعائر منافع دينية ودنيوية كوجوب نحرها منتهية إلى البيت العتيق كالإعادة لما في قوله تعالى: {لّيَشْهَدُواْ منافع لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسم الله فِي أَيَّامٍ معلومات} [الحج: 28] إلا أن فيه تخصيصًا بالمخاطبين فعطف عليه {وَلِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا} [الحج: 34] للذكر لتتم الإعادة والغرض من هذا الأسلوب أن يبين أنه شرع قديم وأنه لم يزل متضمنًا لمنافع جليلة في الدارين، وأما فيما نحن فيه فأين حديث النسائك من حديث تعداد الآيات والنعم الدالة على كمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة، ولعمري أن شرعية النسائك لكل أمة وإن كانت من الرحمة والنعمة لكن النظر إلى المجانسة بين النعم وما سيق له الكلام فالحالة مقتضية للقطع، وذكره هاهنا لهذه المناسبة على نحو خفي ضيق اه، وهو حسن وظاهره تفسير النسك بالذبح.
وذكر الطيبي أن ما تقدم عطف على قوله تعالى: {وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله} [الحج: 32] إلخ وهو من تتمة الكلام مع المؤمنين أي الأمر ذلك والمطلوب تعظيم شعائر الله تعالى وليس هذا مما يختص بكم إذ كل أمة مخصوصة بنسك وعبادة.
وهذه الآية مقدمة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يوجب نزاع القوم تسلية له وتعظيم لأمره حيث جعل أمره منسكًا ودينًا يعني شأنك وشأن أمثالك من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ترك المنازعة مع الجهال وتمكينهم من المناظرة المؤدية إلى النزاع وملازمة الدعوة إلى التوحيد أو لكل أمة من الأمم الخالية المعاندة جعلنا طريقًا ودينًا هم ناسكوه فلا ينازعنك هؤلاء المجادلة. سمي دأبهم نسكًا لإيجابهم ذلك على أنفسهم واستمرارهم عليه تهكمًا بهم ومسلاة لرسوله صلى الله عليه وسلم مما كان يلقى منهم، وأما اتصاله بما سبق من الآيات فإن قوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مّنْهُ} [الحج: 55] يوجب القلع عن إنذار القوم والإياس منهم ومتاركتهم والآيات المتخللة كالتأكيد لمعنى التسلية فجيء بقوله تعالى: {لّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ ينازعنك} تحريضًا له عليه الصلاة والسلام على التأسي بالأنبياء السالفة في متاركة القوم والإمساك عن مجادلتهم بعد الإياس من إيمانهم وينصره قوله تعالى: {الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة} [الحج: 69] فالربط على طريقة الاستئناف وهو أقوى من الربط اللفظي. والذي يدور عليه قطب هذه السورة الكريمة الكلام في مجادلة القوم ومعانديهم والنعي عليهم بشدة شكيمتهم ألا ترى كيف افتتحها بقوله سبحانه: {وَمِنَ الناس مَن يجادل فِي الله} [الحج: 3] وكررها وجعلها أصلًا للمعنى المهتم به وكلما شرع في أمر كر إليه تثبيتًا لقلب الرسول صلى الله عليه وسلم ومسلاة لصدره الشريف عليه الصلاة والسلام فلا يقال: إن هذه الآية واقعة مع أباعد عن معناها انتهى، ولعمري أنه أبعد عن ربوع التحقيق وفسر الآية الكريمة بما لا يليق. وقد تعقب في الكشف اتصاله بما ذكر بأنه لا وجه له فقد تخلل ما لا يصلح لتأكيد معنى التسلية المذكورة أعني قوله تعالى: {وَمَنْ عَاقَبَ} [الحج: 60] الآيات لاسيما على ما آثره من جعلها في المقاتلين في الشهر الحرام ولو سلم فلا مدخل للاستئناف وهو تمهيد لما بعده أعني قوله تعالى: {فَلاَ ينازعنك} إلخ، وأما قوله والذي يدور عليه إلخ فهو مسلم وهو عليه لا له فتأمل والله تعالى الموفق للصواب.
{وادع} أي وادع هؤلاء المنازعين أو الناس كافة على أنهم داخلون فيهم دخولًا أوليًا {إلى رَبّكَ} إلى توحيده وعبادته حسا بين في منسكهم وشريعتهم {إِنَّكَ لعلى هُدًى} أي طريق موصل إلى الحق ففيه استعارة مكنية وتخييليتها على، وقوله تعالى: {مُّسْتَقِيمٍ} أي سوي أو أحدهما تخييل والآخر ترشيح، ثم المراد بهذا الطريق إما الدين والشريعة أو أدلتها، والجملة استئناف في موضوع التعليل.

.تفسير الآية رقم (68):

{وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بما تَعْمَلُونَ (68)}
{وَإِن جادلوك} في أمر الدين وقد ظهر الحق ولزمت الحجة {فَقُلْ} لهم على سبيل الوعيد {الله أَعْلَمُ بما تَعْمَلُونَ} من الأباطيل التي من جملتها المجادلة فمجازيكم عليها، وهذا إن أريد به الموادعة كما جزم به أبو حيان فهو منسوخ بآية القتال.

.تفسير الآية رقم (69):

{اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)}
{الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} تسلية له صلى الله عليه وسلم؛ والخطاب عام للفريقين المؤمنين والكافرين وليس مخصوصًا بالكافرين كالذي قبله ولا داخلًا في حيز القول، وجوز أن يكون داخلًا فيه على التغليب أي الله يفصل بين المؤمنين منكم والكافرين {يَوْمُ القيامة} بالثواب والعقاب كما فصل في الدنيا بثبوت حجج المحق دون المبطل {فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أي من أمر الدين، وقيل الجدال والاختلاف في أمر الذبائح، ومعنى الاختلاف ذهاب كل إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر.

.تفسير الآية رقم (70):

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70)}
{أَلَمْ تَعْلَمْ} استئناف مقرر لمضمون ما قبله، والاستفهام للتقرير أي قد علمت {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السماء والأرض} فلا يخفى عليه شيء من الأشياء التي من جملتها أقوال الكفرة وأعمالهم {إِنَّ ذلك} أي ما في السماء والأرض {فِى كتاب} هو كما روي عن ابن عباس اللوح المحفوظ، وذكر رضي الله تعالى عنه أن طوله مسيرة مائة عام وأنه كتب فيه ما هو كائن في علم الله تعالى إلى يوم القيامة، وأنكر ذلك أبو مسلم وقال: المراد من الكتاب الحفظ والضبط أي أن ذلك محفوظ عنده تعالى، والجمهور على خلافه، والمراد من الآية أيضًا تسليته عليه الصلاة والسلام كأنه قيل إن الله يعلم إلخ فلا يهمنك أمرهم مع علمنا به وحفظنا له {إِنَّ ذلك} أي ما ذكر من العلم والإحاطة بما في السماء والأرض وكتبه في اللوح والحكم بينكم، وقيل {ذلك} إشارة إلى الحكم فقط، وقيل إلى العلم فقط، وقيل إلى كتب ذلك في اللوح، ولعل كونه إشارة إلى الثلاثة بتأويل ما ذكر أولى {عَلَى الله يَسِيرٌ} فإن علمه وقدرته جل جلاله مقتضى ذاته فلا يخفى عليه شيء ولا يعسر عليه مقدور، وتقديم الجار والمجرور لمناسبة رؤوس الآي أو للقصر أي يسير عليه جل وعلا لا على غيره.